يقول: '' وقد نفى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الإيمان عمن لم يُحكِّموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما شجر بينهم، نفياً مؤكداً بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ))[النساء:65]''.
أكد سبحانه نفي الإيمان عمن لم يُحكَّموا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما شجر بينهم بأمرين: بتكرار أداة النفي وهي "لا" في قوله: (فلا)، وقوله: (لا يؤمنون)، وبالقسم في قوله: (وربك).
يقول: ''ولم يكتف تعالى وتقدَّس منهم بمجرد التحكيم للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، بقوله جل شأنه: ((ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ))[النساء:65] والحرج: هو الضيق ''.
ولهذا يقال: أرض حرجة، أو مكان حرج، أي: كثير الشجر ملتف شجره.
يقول: ''بل لا بد من اتساع صدورهم لذلك''.
أي: تتسع صدورهم وتنتفخ وتسر بحكم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
''وسلامتها من القلق والاضطراب''.
فلا قلق ولا اضطراب من حكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: ''ولم يكتف تعالى -أيضاً- هنا بهذين الأمرين -أي: بالتحكيم وعدم الضيق- حتى يضموا إليهما أمراً ثالثاً هو التسليم: وهو كمال الانقياد لحكمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بحيث يتخلون هاهنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحُكم الحق أتم تسليم، ولهذا أكد ذلك -أي: التسليم- بالمصدر المؤكَّد وهو قوله جل شأنه (تَسْلِيماً) المُبيِّن أنه لا يُكتفى هاهنا بالتسليم.. بل لا بد من التسليم المطلق ''.